هل يستطيع بوتين فعلا استخدام السلاح النووي


مهدي مبارك عبدالله

=

بقلم // مهدي مبارك عبد الله

الحقيقة الثابتة وفق مجريات الاحداث ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في فخ الحرب الأوكرانية الذي نصبته أمريكا وبعض الدول الغربية لموسكو منذ سنوات وفقا لمصطلح حرب الاستنزاف طويلة الأمد التي دمرت جزءا كبيرا من القوات الروسية وادخلتها في مرحلة متقدمة من الفشل وصلت حد السقوط والهزيمة

بعد اكثر من ستة شهور من القتال الضاري لم يتحقق الا القليل من الأهداف التي وضعتها القيادة الروسية والتي على حالها لا تمكنها من الوصول الى أي تسوية مقبولة مع الغرب تعيد روسيا إلى مصافِ الدول العظمى وتعترف بدورها العالمي عبر تهديدها بالقوة لاسترداد المجد الروسي كما كان طوال تاريخه السابق الذي شهد العديد من تسويات الانتصار والانكسار خلال فترات ما بعد الحروب

الرئيس بوتين سعى قبيل الحرب الأوكرانية للوصول إلى تسوية مشابهة لتسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية لتقسيم مناطق النفوذ بشكل مشابه لما حصل في اتفاقية يالطا عام1945 حين استطاع الرئيس ستالين تحويل انتصار روسيا على النازية إلى مكاسب سياسية وجيوبوليتكية في عموم أوروبا حيث فرض شروطه ومطالبه على حلفائه الغربيين

كما طالب بوتين بضرورة التحوّل إلى إقرار مبادئ تشبه نظام الوفاق الأوروبي لعام 1815 الذي كرس مفهوم توازن القوى بين القوى الكبرى وعلى رأسها روسيا كدولة أساسية لكن جميع محاولاته بالدفع إلى تسوية تاريخية تؤدي إلى الاعتراف لروسيا بدورها العالمي بات بالفشل خصوصا بعد سيل الهزائم التي منيت بها القوات الروسية على اكثر من جبهة

معلوم تاريخيا ان الأوروبيون لم يقبلوا منح الروس اي مساحة نفوذ في محيطهم من دون حرب كبرى ينتصرون فيها ويجبرونهم على الاعتراف بعظمة دولتهم ودورها العالمي من هنا لا يجد الروس أمامهم سوى خيار الانتصار في الحرب الأوكرانية كما فعلوا ضد هتلر ونابليون حتى لو باستمرار التهديد باستخدام السلاح النووي التكتيكي او الاستراتيجي

العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كما يسميها الروس وحلفائهم جاءت وبحسب ادعاءاتهم استجابة عاجلة لتهديدات أمنية بوجود مخططات غربية لاستهداف الداخل الروسي وتفجير محيطه بالفوضى من خلال زعزعة الاستقرار باستخدام أساليب الحروب غير التقليدية وهو ما شحن العلاقات الروسية الأوروبية بالقلق والتوتر خاصة في ظل الدفع الأمريكي والتجييش ضد روسيا يهدف تحقيق أهداف جيوسياسية توسعية لإنهاك الدولة الروسية وتدميرها في هذه المعركة باعتبارها قطب دولي صاعد يذهب نحو إعادة هيكلة النظام الدولي تجاه التعددية القطبية مع شركائها

التكتيك الاستراتيجي الروسي في إدارة المعركة بدأ يتغير بعد الدعوة للتعبئة العامة الأخيرة التي شملت استدعاء 300 ألف عسكري بهدف توسيع عدد الجيش الروسي يضاف الى ذلك توقيع بوتين على ضم المقاطعات الأربع ( لوغانسك دونيتسك خيرسون، زاباروجيا ) للاتحاد الروسي والذي رفضه الغرب ( مساحتها تبلغ 120 ألف كم2 بما يشكل خمس مساحة أوكرانيا ) وما تبعه من الى تغييرات لبعض القيادات العسكرية وتنظيم البرامج لتطوير الإدارة والتخطيط للعمليات القتالية والتهديد باستخدام الأسلحة النووية كخيارات مفتوحة لحماية الأراضي الروسية في حال زيادة التصعيد الغربي

بحسب تصريحات منسوبة لمستشار الأمن القومي الأميركي ووزير الخارجية السابق هنري كيسنجر الولايات نشرت مؤخرا قال فيها ان المتحدة أساءت التقدير في الحرب الأوكرانية كما أنها وأوروبا قد رفعتا مستوى المواجهات ضد روسيا بإجراءات غير مسبوقة تمثّلت بفرض العقوبات التي طالت مختلف القطاعات حتى الفنية والرياضيّة إضافة لضخ الأموال الهائلة لأوكرانيا وفتح أبواب مخازن الأسلحة لدعمها

الخطة الأمريكية المحكمة هدفها محاولة إقصاء روسيا وإبعادها عن تحقيق أهدافها العسكرية والديموغرافية وكبح تقدم قواتها حيث كان آخرها إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي مساعدات لأوكرانيا تقدر بقيمة 12 مليار دولار كما أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن البنتاغون يخطط لإنشاء قاعدة عسكرية جديدة له في ألمانيا مهمتها الأساسية الإشراف على تقديم الدعم العسكري واللوجستي لأوكراني ومن شأن هذه الخطوة في حال إقرارها إطالة أمد الحرب الروسية في أوكرانيا وما يتبعه من خسائر متواصلة في الأرواح والمعدات والبنى التحتية

الحرب في أوكرانيا حاسمة ولن يتراجع عنها أي من الأطراف وموسكو على وجه التحديد تدرك تماماً أن هذه العملية والنتائج المترتبة عنها لا بد أن تساهم في بلورة نظام عالمي جديد وأكثر ما يتم خشيته هو الانتقال من الحرب بالوكالة من قبل الولايات المتحدة إلى المواجهة المباشرة مع الاستمرار في تزويد الجانب الأوكراني بصواريخ بعيدة المدى ومنظومات دفاع جوي متوسطة وقصيرة المدى وزيادة عدد الضباط والاستشاريين والاستخباريين وهو ما سيؤدي الى تحوّل كلي في قواعد المعركة وبما يدفع الروس الى استخدام بعض من الأسلحة النووية التكتيكية باستهداف مواقع محددة لتفادي انتشار الاشعاع النووي لغايات احداث تغيير استراتيجي في مسار الحرب

روسيا تمتلك ترسانة نووية كبيرة نذكر على سبيل المثال بعضها حيث لا يتسع المقال هنالك اكثر من 5977 سلاحاً استراتيجي منها 2000 تكتيكي تتراوح حمولتها التفجيرية من 15الى100كيلو تن بمعدل 1كيلو يساوي 1000 طن من مادة التي ان تي ( التكتيكي يعتبر اقل اضراراً بنسبة واحد بالمئة من النووي الاستراتيجي ) و في عام 2018 أعلنت روسيا عن خمس أنواع جديدة من الأسلحة من بينها ثلاث ذات طبيعة نووية هي (سارمات العابر للقارات الطوربيد النووي بوسايدون وكينزال الصواريخ الفرط صوتية والتي دخلت الخدمة في أواخر عام 2017 ويبلغ مدها 2000 كيلومتر سرعتها القصوى 10 ماخ وتمتلك القدرة على حمل رؤوس نووية تتراوح زنتها بين 100 و500 كيلو طنّ بالإضافة الى العديد من الصواريخ البحرية والمضادات الجوية

بمتابعتنا للتهديدات الروسية الواضحة والصريحة بإمكانية استخدام أسلحتها النووية من الضروري ان نذكر بما قاله الرئيس بوتين خلال لقاءه سابق له بالرئيس الفرنسي وبالنص الحرفي ( لا يمكننا مقارنة القدرات العسكرية الروسية مع قدرات دول الناتو مجتمعة لكننا نفهم ان روسيا قوة نووية قادرة على تجاوز الباقيين ولن يكون لديهم حتى الوقت للرد على ذلك وإمكانية إلحاق الضرر بحلف الناتو ستكون خلال نصف ساعة فقط )

روسيا تمتلك عدة وسائط جاهزة وسهلة يمكنها من خلالها استخدام الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية التي تطلق من كل المنصات جوا وبحراً وبراً حيث لا تعطِ الولايات المتحدة الفرصة لاستخدام مطارات دول حلف الناتو رغم وجود نحو 150 قنبلة نووية من نوع بي 6 مخزنة في بلجيكا وهولندا وإيطاليا

بعد استهداف خط أنبوب الغاز الروسي ستريم 1 وستريم 2 الممتد الى المانيا في اعماق بحر البلطيق وتفجير جسر القرم الذي اعتبر ضربة قوية في العمق الروسي تزايد النقاش العالمي حول احتمال استخدام روسيا للسلاح النووي في معركتها الأوكرانية خصوصا وأن بوتين لا مشكلة أخلاقية لديه باستخدام السلاح النووي لكن الرجل معروف بأنه مغامر عقلاني وما زال يتمتع ببعض تلك العقلانية ليدرك أن إقدامه على ذلك لن يحقق له أي من أهدافه بل سيضعه في مأزق أكبر هذا إذا لم يُطِح به مباشرة

المعضلة التي لا زالت تواجه الكرملين في أوكرانيا تتمثل في كون الجيش الروسي اصبح أقل قدرة وكفاءة من القوات الأوكرانية المدعومة من الناتو وان أسلحته باتت أضعف من الأسلحة الغربية وربما ذلك ينسحب على السلاح النووي وهنالك شكوك كثيرة داخل القيادات العسكرية الروسية بشأن قدرة القذائف النووية على تجاوز الحدود الروسية والوصول إلى أهدافها فيما لو نشبت الحرب النووية الشاملة وذلك خلافاً للتهديدات بوتين المتكررة

الموقف الأمريكي حول إجراءات الرد على استخدام روسيا للسلاح النووي سواء كان تكتيكياً او استراتيجياً اكتفى بالتهديدات الغامضة مع التقليل من احتمالات استخدام هذا السلاح في الدوائر الغربية بما في ذلك التوضيح الذي صدر عن البيت الأبيض بخصوص تصريحات بايدن التي قال فيها إن بوتين يفكر في استخدام السلاح النووي

لكن هنالك تصريح واحداً غير رسمي صدر عن الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بترايوس قال فيه إن استخدام روسيا للسلاح النووي في أوكرانيا يقصد في هذه الحالة السلاح التكتيكي سيجبر الولايات المتحدة على تدمير الجيش الروسي في أوكرانيا وأسطولها في البحر الأسود ولم يبين الجنرال الذي يحسب كلماته بدقة فائقة ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلكبناء على تلك المعطيات فإننا نستبعد استخدام السلاح النووي الروسي كسيناريو ذهني متخيل في أوكرانيا وفي الوقت عينه نرجح تفكير بوتين في استخدام أسلحة دمار شامل أخرى مثل الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية على اعتبار أن بلاده تتعرض لخطر وجودي خاصة وانها لا تندرج عملياً ضمن الخطوط الحمر الواضحة التي يضعها الغرب مع إمكانية انكار بوتين استخدامها والتمهيد مسبقا لاتهام أوكرانيا بامتلاك أسلحة كيمياوية وجرثومية واستخدامها ضد القوات الروسية مع الإبقاء بالتلويح الجدي باستخدام الأسلحة النووية وربما البدء بنشرها على الحدود مع الناتو وأوكرانيا

الشيء المثير للسخرية ان واشنطن وحلفائها الغربيين وهم يتحدثون عن تهديدات بوتين النووية لم يتطرقوا الى تحريض الرئيس الاوكراني زيلنسكي للناتو باستخدام الأسلحة النووية وتوجيه ضربة استباقية ضد روسيا حيث واصلت أمريكا وأوروبا تقديم الدعم اللوجستي والأسلحة والأموال والمرتزقة والمستشارين والخبراء ومعلومات الأقمار الصناعية للقوات الأوكرانية في الحرب المتواصلة بينما بقيت الأمم المتحدة نلوذ بالصمت المطبق وامها لمتسمع دعوة الرئيس الاوكراني

خلاصة القول اواقع الثابت ان القيادة الروسية متمسكة بالتهديد كمناورة تكتيكية و الرد الفعلي على أي أعداء نووي وفق وفقا للعقيدة العسكرية الروسية وقد قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه ان بوتين جاد بالرد بأسلحة استراتيجية او تكتيكية ولعله من المفيد اخذ اي تهديد روسي على محمل الجد والعمل على تقليل مخاطرة خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي يحتاج فيها بوتين الى تحقيق انتصار عاجل يسجل له تاريخياً جديدا يذهب به الى المفاوضات وهو اقوى شكيمة في ظل عدم قدرته على وقف الحرب او التراجع لان التكلفة السياسية في التراجع اغلى كثير من البقاء في ميدان المعركةmahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.