هيكلة هيئة الإستثمار


د.عبدالله محمد القضاة

=

بقلم  / د.عبدالله محمد القضاه 

 

يقول عالم الإدارة وخبير الهيكلة العالمي “مايكل همر”: على كافة الهيئات الإدارية أن تبرر سبب وجودها ، وعليه فإن عملية إستحداث أو دمج أوالغاء أي هيئة حكومية يجب أن يستند لمعايير علمية ومنها الحد من الهدر في الإنفاق وتحقيق الرشاقة والفاعلية في الجهاز الحكومي من غير الإخلال بالمهام الواجبة التنفيذ وبعيدا عن أي تأثير سلبي على المكتسبات الوظيفية للعاملين في هذه الهيئات.

هيئة الإستثمار الأردنية ، والتي تكلف الخزينة مبالغ عالية نظرا للرواتب الخيالية التي تمنح للكثير من العاملين بها من الذين تم تعينهم بموجب عقود شاملة وضمن الصلاحيات المباشرة لرئيس الوزراء قبل عام 2019 ، ومن غير إستشارة ديوان الخدمة المدنية ، ويستطيع مجلس النواب طلب كشوفات هذه الرواتب من مؤسسة الضمان الإجتماعي لمعرفة حجم الهدر الذي لايقابله أي عائد يذكر ، كما أنه يشكل إخلالا بمبدأ تكافؤ الفرص بين الأردنيين ، فلايعقل أن يتقاضى المعلم راتبا لايتجاوز (400) دينارا في حين يحصل زميله المحظوظ في هذه الهيئة على (1500) دينار وربما أكثر من ذلك بكثير .

جاء في تقرير حالة البلاد لعام 2018 (قبل الجائحة) الصادر عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي ” بالرغم من الجهود الحكومية المستمرة لتخفيض معدلات البطالة ورفع معدل المشاركة الإقتصادية في المملكة ، إلا أن هذه الجهود لم تتكلل بالنجاح “، ويضيف التقرير ” ان المملكة شهدت تذبذبا وإنخفاضا في حجم الإستثمار الأجنبي المباشر ، مما أدى إلى عدم قدرة الإستثمارات الأجنبية على أداء دورها في تحسين النمو الإقتصادي وخلق فرص عمل للإردنيين “.

والتساؤل : طالما أن الأستثمار يتراجع في المملكة ، لماذا تتزايد الجهات المعنية بإدارته ويتضخم عدد العاملين بها ؟، وما الحكمة من منح رواتب خيالية (تفوق رواتب ألوية القوات المسلحة ) لموظفين لايؤدون عملا فنيا ، ، بقدر مايقومون بدور التنسيق والعلاقات العامة ؟!.

في الأردن وزارة للصناعة والتجارة رؤيتها المساهمة في بناء وتعزيز اقتصاد وطني تنافسي وعالمي متنوع بالتشارك مع القطاع الخاص لرفع مستوى معيشة المواطن ، وتنص رسالتها على ” تعزيز البيئة الاستثمارية وبيئة الاعمال لتكون اكثر تنافسية عن طريق تطوير السياسات والتشريعات الاقتصادية بما يضمن حماية حقوق كل من المستهلكين وقطاع الاعمال” كما أن من أهدافها تطوير الاقتصاد الاردني ليكون مزدهراً ومنفتحاً على الاسواق العالمية ، وتمكين الاقتصاد الوطني من استيعاب التدفق السنوي المتنامي للأيدي العاملة الاردنية.

أما هيئة الإستثمار فرؤيتها ” التميز بتحفيز الإستثمارات والاسهام بالنمو الاقتصادي ” ولا أعرف أين هذا التميز وهذا الإسهام الذي تنكره تقارير الحكومة الرسمية . كما تنص رسالة الهيئة على ” تحفيز وتنشيط الاستثمارات في المملكة من خلال مواكبة وتطوير البنى التحتية وترويج الفرص الاستثمارية والصادرات لزيادة فعالية الاستثمارات المحلية والاجنبية وضمان الاستدامة المالية”، وأعتقد أن المؤشرات الرسمية تثبت فشل الهيئة في تحقيق رؤيتها ورسالتها ، والأهم من ذلك أن غايات إنشاء هذه الهيئة يمكن إدارجها تحت مظلة وزارة الصناعة والتجارة .

ونظرة سريعه على أهداف الهيئة والمتمثلة في ” زيادة فعالية البيئة الاستثمارية ، زيادة فعالية الإستثمارات ، وتعزيز الملاءة والإستدامة المالية ” نجد بما لايدع للشك فشل الهيئة في تحقيق أي منها ، وأن هذه الأهداف يمكن إضافتها لإهداف وزارة التجارة ليتم تحقيق ما يمكن تحقيقه ضمن الكادر المتاح للوزارة ونقل بعض الفنيين من الهيئة للوزارة.

وبتحليل سريع للهيكل التنظيمي للهيئة التي رئيسها يعين براتب الوزير العامل وأمينها العام بالفئة العليا نجد أن الوحدات الإدارية المساندة (10) وحدات إضافة للرئيس والأمين العام، في حين أن الوحدات الفنية (7) وحدات فقط ، وهذا تشوه هيكلي واضح ، خاصة أن حجم العمل بهذه الوحدات لايرتقي لمستوى “مديرية ” ، فعلى سبيل المثال ، لا الحصر، وكما ورد في تقرير حالة البلاد ” قامت النافذة الإستثمارية بمنح (60) رخصة خلال النصف الأول من عام 2017 بإجمالي إستثمار مقداره (165) مليون دينار منها (34) رخصه منحت لمستثمرين أردنيين ” فهل هذا العبء ياترى يستحق وجود مديرية كاملة ، تمنح معدل رخصة في كل شهر ؟، فهذه الرخص يمنحها موظف واحد خلال اسبوع في دبي مثلا !.

وتأسيسا على ماسبق؛ ومن تحليل أهداف الهيئة وعبء العمل فيها وهيكلها التنظيمي وتقرير حالة البلاد الخاص بالموضوع لعام 2018 والاطلاع على الممارسات الفضلى بهذا الخصوص ومنها تجربة الإمارات العربية الشقيقة، وبتحليل البنية المؤسسية لوزارة الصناعة والتجارة ، يمكننا القول بإن المصلحة الوطنية تقتضي إلغاء هيئة الإستمار وأن تكون وزارة الصناعة والتجارة الخلف القانوني والإداري لها على أن تتولى الوزارة مهمة تشجيع الإستثمار والمهام المناطة بالهيئة ، وأن تستحدث إداره واحدة لتشجيع الإستثمار ضمن الهيكل التنظيمي للوزارة، وهذه فرصة وطنية في ضوء عدم وجود رئيس ومدير عام للهيئة.

و بخصوص موظفي الهيئة المصنفين فيتم نقل المناسب للإدارة الجديدة ويوزع البقية على مؤسسات القطاع العام من خلال ديوان الخدمة المدنية ، أما موظفي العقود الشاملة، فأنني اقترح إعادة النظر برواتبهم ضمن سقوف تعتمد على معايير التسعير المنطقي للأجور بحيث تجدد إن كان هناك حاجة لها ضمن التسعيرة الجديدة التي يعتمدها مجلس الخدمة المدنية لهذه الغاية، على أن تسري منهجية التسعير للعقود الشاملة في كافة مؤسسات القطاع العام.

====================

*أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا
abdqudah@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.