ورقة الحزب الديمقراطي الاجتماعي حول المناهج واليسار الذي نريد


المحامي الدكتور هيثم عريفج

في ظل حالة الركود السياسي التي تعاني منها معظم الأحزاب في الأردن بعد انتخابات 2024، وما تبعها من إحباط شعبي متزايد، يأتي الحزب الديمقراطي الاجتماعي ليكسر هذا الجمود، ويقدّم نموذجًا جديدًا وفاعلًا في العمل السياسي. ففي الوقت الذي يرى فيه المواطن الأردني أن الأحزاب لم تعد أكثر من روافع شخصية للوصول إلى البرلمان، يبادر الحزب الديمقراطي الاجتماعي بتقديم ورقة موقف سياسية تتناول ملف التعليم والمناهج، واضعًا إياهما في صدارة أولوياته.
تأتي هذه الورقة كتحرك نوعي في المشهد السياسي الأردني، لا فقط لأنها تطرقت إلى أحد أعقد الملفات وأكثرها ارتباطًا بمستقبل الوطن، بل لأنها عبّرت بوضوح عن هوية الحزب كتيار ديمقراطي –اجتماعي، واقعي ووطني، يمتلك رؤية شاملة قادرة على إقناع الشارع الأردني وتقديم خيار بديل جاد، ينافس حتى التيارات ذات الحضور التاريخي كجبهة العمل الإسلامي.
ورقة الحزب حول المناهج والتعليم لم تكن مجرد سرد تقني لمشكلات المناهج، بل عكست جوهر مشروع الحزب السياسي عدالة اجتماعية، تكافؤ فرص، وكرامة إنسانية. وقد وضعت الورقة المناهج والتعليم بوصفها بوابة للتحرر والتمكين، وركيزة أساسية في بناء مجتمع ديمقراطي متماسك، يؤمن بالتفكير النقدي، والابتكار، والمواطنة.
وقد تميزت الورقة بانبثاقها من مبادئ الحزب الفكرية، حيث تجلى التزامه بالقيم الديمقراطية الاجتماعية من تعزيز دور الدولة في حماية التعليم، رفض التهميش، الدفاع عن تعليم عام نوعي ومتاح للجميع، وإعادة الاعتبار للمدرسة كمؤسسة تنوير وتحفيز لا تلقين فقط.
اللافت أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، رغم أنه لم يكن الأكبر من حيث الكتلة أو التمويل ولم يتجاوز العتبة في الانتخابات الأخيرة ، تقدّم من حيث المبادرة على كثير من الأحزاب التي تخطت العتبة النيابية. فبينما انشغلت تلك الأحزاب بترتيب مواقعها السياسية أو التكيف مع ما بعد الانتخابات، اختار الحزب الاشتباك مع هموم المجتمع الأردني الحقيقية، رافعًا شعار: “المواطنة تبدأ من المدرسة، والمستقبل يبدأ من المناهج”.
هذا النوع من العمل الحزبي الجاد يعيد تعريف دور الأحزاب في حياة الناس، ويؤكد أن الإصلاح السياسي لا يُبنى فقط بالتحالفات، بل بالأفكار والرؤى والمبادرات الواقعية. وهذا ما فعله الحزب عندما ربط إصلاح التعليم بعملية التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، مدركًا أن لا مستقبل دون تغيير جذري في أدوات الوعي والمعرفة.
في ظل تصدر جبهة العمل الإسلامي لمشهد المعارضة الشعبية لعقود، فإن الحزب الديمقراطي الاجتماعي اليوم قادر على تقديم بديل مقنع، لا يقوم على المزايدة أو الاستقطاب، بل على عمل سياسي حقيقي ومتواصل. وهو بهذا يعيد الاعتبار ليسار الوسط كخيار واقعي، وطني، عقلاني، لا يخاصم الدولة، ولا يهادن الفساد، بل يواجهه بخطاب علمي وعملي ومسؤول.
لقد آن الأوان لولادة يسار أردني جديد، يبتعد عن الخطابات القديمة التي لم تعد تلامس واقع الناس. فالمطلوب يسارًا وطنيًا، لا يغرق في تنظيرات النخبة، بل يتجه نحو الناس، يستمع إليهم، يعبّر عنهم، ويشتبك مع قضاياهم اليومية، من التعليم والصحة إلى العمل والعدالة الاجتماعية.
المرحلة تتطلب خطابًا جديدًا، يحمل الجرأة على المراجعة، ويؤمن بأن الوطنية لا تناقض الوعي، بل تعززه. المطلوب يسار لا يعادي الدولة، بل يسعى إلى إصلاحها، وتحقيق العدالة داخلها، ويقدم مشروعًا واقعيًا يعكس حجم الوطن وإرادة شعبه في ظل الثوابت الوطنية وفي ظل الدستور والعرش .
ورقة الحزب الديمقراطي الاجتماعي ليست مجرد موقف من المناهج، بل إعلان عن عودة اليسار إلى الحياة السياسية من بوابة الناس لا فوقهم. إنها بداية لرواية سياسية جديدة، تتصالح مع الشارع، وتبني الثقة من جديد، وتثبت أن هناك بديلًا ممكنًا، وعملًا حزبيًا جادًا يستحق الدعم والمراهنة عليه في الانتخابات القادمة.
فلتكن هذه الورقة خطوة في مسار طويل نحو يسار وطني عصري… يسار أردني بامتياز، واقعي، جذري، ومنحاز دومًا للإنسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.