وقفة مع زيارة الرئيس الصيني الى فرنسا والوضع في الشرق الأوسط


الدكتور موفق العجلوني

بقلم / السفير الدكتور موفق العجلوني

المدير العام  مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

==

 

بناءً على دعوة من الرئيس الفرنسي السيد إيمانويل ماكرون، زار رئيس جمهورية الصين الشعبية السيد شي جين بينغ، فرنسا في زيارة دولة من ٥ ٧ /5/٢٠٢٤. حيثاستهل الرئيس الصيني شي جين بينغ أول جولة أوروبية له منذ عام ٢٠١٩، بزيارة فرنسا تزامنا مع مرور ٦٠ عاما على العلاقات الثنائية بين بكين وباريس.وقد صرح الرئيس شي لدى وصوله العاصمة الفرنسية باريس “إن العلاقات بين الصين وفرنسا هي نموذج للتعايش السلمي والتعاون بين دول تختلف في أنظمتها السياسية” وأن تطوير العلاقات بين البلدين “يسهم في تحقيق الاستقرار والطاقة الإيجابية في عالم مضطرب وقد تبادل الزعيمان وجهات النظر بعمق حول الوضع في الشرق الأوسط .

 

 

وفي ختام الزيارة صدر بيان مشترك تناول العلاقات الصينية الفرنسية، وكذلك الوضع في الشرق الاوسط،وكانأبرز ما جاء في هذا البيان، والذي توافق مع ما طرحه جلالة الملك في جولاته الأوروبية بالنسبة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة النقاطالتالية:

 

 

  • كأعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تعمل الصين وفرنسا معًا لإيجاد حلول بناءة، استنادًا إلى القانون الدولي، للتحديات والتهديدات المتعلقة بالأمن والاستقرار الدوليين.

 

  • تدين الصين وفرنسا جميع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جميع أعمال العنف الإرهابي والهجمات التي تستهدف المدنيين بشكل عشوائي. يشددان على ضرورة حماية المدنيين في غزة وفقًا للقانون الدولي الإنساني. عبر الزعيمان عن رفضهما لهجوم إسرائيلي على رفح، الذي سيؤدي إلى كارثة إنسانية بمقياس أوسع، بالإضافة إلى تهجير السكان الفلسطينيين بالقوة.

 

  • أكد الزعيمان على ضرورة وقف فوري ومستدام لإطلاق النار لتمكين تقديم المساعدات الإنسانية على نطاق واسع وحماية المدنيين في قطاع غزة. دعوا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن وضمان الوصول الإنساني لتلبية احتياجاتهم الطبية والإنسانية الأخرى، وكذلك احترام القانون الدولي فيما يتعلق بجميع المعتقلين. ودعوا إلى تنفيذ القرارات ذات الصلة للأمم المتحدة بشكل فوري وفعّال، وخاصة القرارات ٢٧١٢و ٢٧٢٠ و ٢٧٢٨ من مجلس الأمن. هذه هي الطريقة الموثوقة الوحيدة لضمان السلام والأمن للجميع وضمان أنلا يعاني كل من الفلسطينيين والإسرائيليين من الرعب الذي عاشوه منذ الهجوم في 7 أكتوبر 2023.

 

  • دعا الزعيمان إلى فتح فعّال لجميع الممرات ونقاط التقاطع الضرورية لتمكين تقديم المساعدات الإنسانية بسرعة وبأمان وبشكل مستدام وغير معوق في جميع أنحاء قطاع غزة. وشدد الزعيمان على أهمية تعزيز تنسيق الجهود الإنسانية الدولية.

 

  • دعا الزعيمان جميع الأطراف إلى التمتع بضبط النفس وعدم اتخاذ إجراءات منفردة على الأرض قد تزيد من التوترات، وفي هذا الصدد، ادانا سياسة إسرائيل في بناء المستوطنات، التي تنتهك القانون الدولي وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام الدائم وإمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش والمتصلة. وأكدا أن حكم مستقبل غزة لا يمكن فصله عن التسوية السياسية الشاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين.

 

  • دعا الزعيمان إلى إعادة إطلاق عملية سياسية حاسمة ولا رجعة فيها لتنفيذ الحل السياسي لحل الدولتين عمليا، مع إسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمان، كلا منهما بعاصمته في القدس، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على الحدود العامة لعام 1967. وأعاد الزعيمان تأكيد التزامهما بهذا الحل، الذي يعتبر الطريق الوحيد لتلبية التطلعات الشرعية للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني نحو السلام والأمن المستدام.

 

  • عبر الزعيمان عن قلقهما العميق إزاء خطر التصعيد في المنطقة، ودعوا إلى منع التوترات الإقليمية. تعمل الصين وفرنسا مع شركائهما على تخفيف التوترات ودعوا جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس.

 

بنفس الوقت فقد تناول البيان قضايا اخرى على المستوى الثنائي و الدولي، وكان من ابرز هذه القضايا   :

 

 

  • يعيد الصين وفرنسا تأكيد التزامهما بالعمل على تعزيز حل سياسي ودبلوماسي للقضية النووية الإيرانية. اتفاقية العمل الشاملة المشتركة التي تم التوصل إليها في عام ٢٠١٥ هي نتاج رئيسي للدبلوماسية متعددة الأطراف. تشعر البلدين بالقلق إزاء مخاطر التصعيد، وتذكر أهمية التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتسهيل الجهود الدبلوماسية، ويعيدان تأكيد التزامهما بحماية نظام منع انتشار الأسلحة النووية الدولي وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

 

  • شدد الزعيمان على أهمية الحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ودعوا إلى وقف فوري لهجمات السفن المدنية لضمان الأمن البحري والتجارة العالمية ومنع التوترات الإقليمية والمخاطر الإنسانية والبيئية.

 

  • دعا الزعيمان إلى احترام هدنة الألعاب الأولمبية أثناء ألعاب الصيف الأولمبية والبارالمبية لعام 2024. تطلب هدنة الألعاب الأولمبية من جميع الأطراف وقف العدائيات خلال الألعاب. وفي زمن انتشار الصراعات وارتفاع التوترات، فإن الهدنة فرصة للعمل نحو حل دائم للنزاعات بالكامل باحترام القانون الدولي.

 

وعلى الرغم من وجود علاقات قوية وتعاون بين الصين وفرنسا في العديد من المجالات، إلا أن هناك بعض الخلافات والتوترات التي تطرأ أحيانًا بين البلدين ،و من بين هذه الخلافات:

 

  • حقوق الإنسان: تختلف الصين وفرنسا في وجهات النظر بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. تثير سياسات الحقوق في الصين، مثل التعامل مع المعارضين السياسيين وحرية التعبير، قضايا حساسة تثير قلقًا في فرنسا وتؤثر على العلاقات بين البلدين.

 

  • التجارة والاقتصاد: تواجه الصين وفرنسا بعض التوترات في مجال التجارة والاقتصاد، بما في ذلك قضايا مثل التجارة غير النظامية وانتهاكات حقوق الملكية الفكرية. يُعتبر الفارق الكبير في حجم الاقتصاد بين البلدين أحد أسباب هذه التوترات.

 

  • القضايا الجيوسياسية: تنطوي الصين وفرنسا على وجهات نظر مختلفة بشأن القضايا الجيوسياسية مثل النزاعات الإقليمية وتحالفات الأمن الدولي. قد تتعارض مصالحهما في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات الدبلوماسية.

 

  • التوازن بين القوى العالمية: يمكن أن تشهد العلاقات الصينية الفرنسية توترات ناتجة عن تنافس القوى العالمية، خاصة في سياق تزايد الصراعات بين الصين والولايات المتحدة وتأثير ذلك على النظام الدولي.

 

 

و على الرغم من هذه الخلافات، فإن الصين وفرنسا تبذلان جهودًا للتعاون والتفاهم المتبادل، وتسعيان إلى حل الخلافات بشكل سلمي ودبلوماسي، وذلك من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين وتحقيق مصالحهما المشتركة، و ابرز هذه النقاط :

 

  • طريق الحرير والحزام (Belt and Road Initiative) هي مبادرة صينية ضخمة تهدف إلى تعزيز التجارة والتواصل الاقتصادي بين الصين والدول الأخرى عبر إنشاء شبكات للبنية التحتية مثل السكك الحديدية والطرق والموانئ. بالنسبة لفرنسا، فإن موقفها من طريق الحرير والحزام قد يكون متنوعًا وقد يتأثر بعدة عواملمنها :

 

  • الفرص الاقتصادية: يمكن أن ترى فرنسا بعض الفرص الاقتصادية في مشاركة مبادرة طريق الحرير والحزام، خاصة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمارات البنية التحتية.

 

  • الصراعات الجيوسياسية: يمكن أن تثير مبادرة طريق الحرير والحزام قلقًا لدى فرنسا بسبب الصراعات الجيوسياسية والتنافس العالمي، خاصة إذا كانت تحدث تغييرات في التوازنات الإقليمية أو الدولية.

 

  • الشروط والقيم: قد تكون لدى فرنسا مخاوف بشأن الشروط المرتبطة بمشاريع طريق الحرير والحزام، بما في ذلك الشروط الاقتصادية والسياسية والبيئية، وقد ترغب في ضمان توافق هذه المشاريع مع القيم والمعايير الفرنسية والأوروبية.

 

  • التعاون الأوروبي: تعتمد موقف فرنسا من طريق الحرير والحزام أيضًا على التوافق مع مواقف الاتحاد الأوروبي والتعاون مع الشركاء الأوروبيين الآخرين في هذا الصدد.

 

  • بشكل عام، قد تتبنى فرنسا موقفًا حذرًا ومتوازنًا تجاه طريق الحرير والحزام، حيث تركز على تقييم الفرص والتحديات بعناية وتشجيع التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين الصين وفرنسا وبين الصين والاتحاد الأوروبي.

 

وحسب ما صرح به دبلوماسي أوروبي بأن الفائز في هذه الزيارة هو الرئيس الصيني شي حين بينغ، لأنه “عزز صورته كحاكم للعالم يناشده الغربيون حل المشاكل الأوروبية في أوكرانيا”، وفق ما نقلته وكالة “رويترز.

 

مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية

muwaffaq@ajlouni.me

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.