يبدو أن السر في كل ما يجري في البطانة !


منذر محمد الزغول

=

تاريخ النشر/  12-02-2011

إن أكثر ما كان يلفت إنتباهي وأنا صغير السن عندما كنت أحضر صلاة الجمعة ،هو دعاء خطيب المسجد في نهاية خطبته للملك بأن يرزقه الله بالبطانة الصالحة التي إن نسي ذكرته وإن ذكر أعانته .

لم افهم في البداية ما كان يرمي إليه خطيب المسجد من هذا الدعاء، وخاصة أنني كنت اسمعه في كل جمعة .حقيقة وبكل تأكيد إن البطانة الصالحة هي سبب نجاح أو فشل أي مسؤول مهما كان منصبه ،لأن البطانة السيئة تصور لذاك المسؤول بأن الأمور على خير مايرام.

والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أنه ما من نبي، ولا خليفة، إلا ويقع بين بطانتين،حيث قال: “ ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان ،بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه“. وفي رواية: “ وبطانة لا تألوه خبالا“ .

ما جرى في تونس و مصر،كانت البطانة السيئة هي المسبب الرئيس ، فكلنا سمعنا الرئيس التونسي السابق وهو يقول: لم أكن أعرف بأن هذا يحصل في بلدي ، بل وأضاف أن من حوله لم ينقلوا له كل ما يجري في البلاد ، وصوروا له أن الأمور في البلاد من أروع ما يكون ، حتى ثار الشعب على كل سنوات الخداع والتضليل التي عاشها الشعب ولربما رئيسهم السابق معهم .

هنا يظهر جلياً لنا سوء هذه البطانة ،والنتيجة أن هذا المسؤول قد لا يدرك ولا يعي حقيقة هذه البطانة إلا بعد عقود من الزمن وقد فات الأوان. عندها تكون حقيقة محزنة، لأنه أدرك بعد حين أن عقله وفكره وقراراته وعلاقاته ،ظلت حبيسة مجموعة من الأشخاص كوَّنوا من أنفسهم بطانة غير صالحة أساءت إليه قبل أن تسيء لنفسها ،كان همها الأول والأخير تحقيق المكاسب وجمع الثروات،في حين ظل الشعب يتلوى جوعاً ويفيض بطالة.

هنا تكمن أهمية أن يختار كل مسؤول مهما علا شأنه أو صغر، بطانة صالحة تخاف الله وترشده لما فيه الخير، لأن الأصل في البطانة الصالحة إسداء الرأي والمشورة بكل أمانة وصدق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “ المستشار مؤتمن“، وفي الحديث: “ من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه“.

و كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “ المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل“ لأن أية صحبة لا تخلو من تأثير وتأثّر، فرسولنا وحبيبنا يوصينا دائماً بالجليس الصالح، والصاحب التقي الذي يخاف الله ، الذي يعين على الخير،وقد ورد عن علقمة أنه حين قدم الشام غريباً دعا: ( اللهم يسرّ لي جليساً صالحاً) ، لأن الجليس الصالح يذكّرك إذا غفلت، ويعينك إذا تذكرت.

وأخيراً نسال الله العلي القدير أن ييسر لملكنا عبدالله الثاني بن الحسين ولكل ولاة أمرنا البطانة الصالحة التقية النقية التي تخاف الله، لأنها الضمانة الوحيدة لإقامة العدل وتحقيق الأمان والخير للمجتمع ، وكما أن القناعة سر السعادة فإنه وبرأيي إن البطانة الصالحة هي سر إقامة العدل والمساواة ورفع الظلم ،وخير دليل على ذلك أن البطانة الصالحة التي ننشد،لو توفرت لزين العابدين ولحسني مبارك،ستكون الأمور حتماً مختلفة على غير ما انتهت إليه في تونس الخضراء وفي أم الدنيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.